جمهورية الموز الكاذب!!

جمهورية الموز الكاذب

في التاسع من يوليو عام 2011م ترقب العالم بلهفة شديدة إعلان ميلاد دولة عظمى بأسنانها في خاصرة السودان الجنوبية وقد اكتظ مطار جوبا يومذاك بأسراب الطائرات الرئاسية وغصت الساحة المطلة على ضريح الراحل قرنق عن آخرها بجموع المحتفلين من ابناء جنوب السودان وضيوفهم من الوفود الرفيعة الذين ما دروا أنهم يشهدون ميلاد بومة شؤم ستحيل المنطقة يباباً. دولة مليئة بالتناقضات والاحقاد تحرك قادتها نزعة متجذرة في التمرد والتخريب.يكفي أن أول رحلة خارجية لرئيسيها ساقته إلى أرض المعاد حيث يعكف الصهاينة سنين على دق هذا الخازوق في نعش أفريقيا؟ وماذا ننتظر نحن من أمة ولدت ربتها؟كم تمُني أخوي ملوال عوداً حميداً إلى "أرض اللبن والعسل أحفظينا فى سلام وسكينة"و لم يعلم أنه عائد بخفي حنين.ثلاث مليارات دولار هي حصيلة ما قبضوه نقداً من عائدات النفط منذ بدء تطبيق اتفاق السلام الشامل وحتى انفصاله .ألم تكن مبالغ كافية لملء كروش الفاسدين بالحرام؟ و تسديد فواتير مرتزقة الحروب وتجار السلاح بينما يتكفف القادة اليابان لإنشاء محطة لجوبا الغارقة في ظلام بهيم وهي شايلة السقا وعطشانة على مقربة أمتار من بحر الجبل. هذا فضلاً عن تسولهم معونة ارباب نعمهم في الغرب.
وإذا سلّطنا الضوء على هؤلاء نجد معظمهم عملاء مزدوجي الولاء. دينق ألور حين توليه الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية كان موصلاً جيداً لتقاريره الراتبة لسفير أمريكاً الأسبق ألبرتو فرنانديز؛ كمن يؤدي رقصة الخنازير على ضفاف بحيرة البجع وقد كفانا الله في آخر لقاء لمبارك والقذافي البشير في 21/12/2010م تردد وقتها أنهما نصحاه بالتنحي هرباً من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية. فطار ألور إلى مصر يستطلع الخبر لنقله فوراً إلى فرنانديز وهل يخفى الخبرعلى ويكيليكس؟!
و أما سلفاكير فليست له سيرة ذاتية تجدر بالبحث سوى أنه جندي نفر لازمه شعور قوي دائم بالدونية ولكن صنعت منه الظروف ورلاً قائداً طارئاً فرضه الغياب المفاجئ للتمساح الراحل قرنق.
أما رياك مشار فهو شخصية تعيش التناقض بحذافيره ما بين تاريخ يُقال إنه نضالي؛ تقابله عقدة اضطهاد لكون من يقود زمامه الآن جربوع لا يملأ العين؛ إضافة إلى أن مشار مطعون في ولائه بسبب تمرده على دينكا بور في 1991م والمجازر التي ارتكبها بحقهم الأمر الذي كلفه الاعتذار مراراً ودون جدوى لدى خصومه و هو مما يثير اشمئزاز النوير من ملق لا يليق. ومن هنا يمكن نقرأ تورطه بهجليج كمحاولة منه لذر الرماد في عيون غرمائه كي يصدرا له صك غفران يجنبه العزل السياسي .
توهمت الحركة أن بمقدورها إقامة (سودان جديد) على أنقاضنا.لا خلاف في ذلك بين قرنق ومن تبعه فالجميع يتطلعون الي توسيع رقعة نفوذهم لالتهام كل الكعكةمع فارق أن قرنق كان يريد تنفيذ مشروعه دفعة واحدة الأمر الذي ربما رأي فيه دهاقنة النظام العالمي الجديد وخدامهم في المنطقة أن أمده سيطول فقرروا التخلص من الرجل و جاءوا بمن جاءوا به ليكون أداة تنفذ المخطط في مداه القريب و البعيد ، بأن تقوم دولة ضعيفة لكنها غنية بكل شيء لتأتي الضباع لتنهش من خيراتها حتى تنضب ثم يمتطوها للزحف شمالاً.
ومن هنا جاء عدم فك ارتباط الفرقتين التاسعة في جنوب كردفان والعاشرة في النيل الأزرق التابعتين للجيش الشعبي. كما نبعت فكرة احتضان حركات دارفور المسلحة ودعمها سياسياً ومالياً وعسكرياً لقيام "تحالف الجبهة الثورية السودانية" بحضن ورعاية جوبا التي بدلاً من أن تولي اهتمامها لتعويض مواطنيها ما عانوه من تعب وحرمان إبان سنوات الحرب، اتجهت لتنفيذ خطتها التوسعية لخنق السودان اقتصادياً والإطاحة بالنظام فيه ومن ثم إقامة ذلك المشروع الحُلم. وقد أنفقت الحركة الشعبية في تكوين ذلك الهلام أموالاص طائلة عائدة من تصدير النفط الذي وافق السودان إظهاراً لحسن نيته علي طلب جنوب السودان لتصديره عبر أراضيه حتى قبل التوصل لإتفاق بين الطرفين لتأتي جوبا لا لتعض اليد التي امتدت لها بالإحسان فحسب؛ بل لتتركها تنزف لعل الجسد الذي يحمل تلك اليد يفارق الحياة بغرغرينة حادة عندما دفع سلفا بقواته لهجليج بعد تعمد "قطع شريان النفط" بنية حصارنا من ثلاث جبهات.
فإذا عرفنا حجم الدور المحوري الذي تلعبه جوبا بسند دولي توجب علينا أن نعمل بجد لوضع الخطط الكفيلة بالتصدي لدولة رضيعة وذلك بإرجاعها لحجمها الطبيعي من خلال عمل عسكري وسياسي ودبلوماسي واسع النطاق ويجب أن تصل الرسالة قوية لأولئك لمحرضي جوبا بأنهم يعتمدون علي نمر من كرتون.
.